Saturday, August 24, 2013

الخيال العلمي وأخلاقيات المستقبل القريب والبعيد

عندما تلتقي حضارة متقدمة بحضارة أقل تطورا منها، من الطبيعي أن تتفوق الحضارة المتطورة على معظم الأصعدة (وإن لم يكن ذلك يشمل الصعيد الأخلاقي). رأينا الامبراطوريات تستعمر أراضي وشعوب وثقافات ورغم أنها أضافت للحضارات التي "استعمرتها" إلا انها سببت الكثير من الضرر لشعوب ولثقافات تلك الحضارات. روما ومستعمراتها، بريطانيا ومستعمراتها، اسبانيا ومستعمراتها إلخ.. كلها أضافت ولكن ما أخذته كان له الضرر الأكبر. ونحن في العالم العربي نعلم جيدا كم يستمر الاستعمار وكيف يواصل تدميره حتى بعد أن يرحل.

تلك الحضارات تفوقت بسبب العلوم: العلوم التي حققت الثورة الصناعية وبالتالي رفعت من مستوى الاقتصاد والتسلح. هكذا تتفوق الحضارات، وينطبق ذلك على كل ما يحدث اليوم، وما سيحدث في المستقبل. لهذا لا أتردد في أن أكرر ما أقوله لكل من ينظر للخيال العلمي على أنه "لعب عيال": الخيال العلمي يحفّز الأطفال على حب العلوم والتخصص فيها ودراستها والرغبة في تحويل الخيال إلى مخترعات واقعية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البراءات، وإلى التفوق العلمي.. وأيضا (إن لم أكن ساذجة) إلى الديمقراطية. فالعقل المحب للعلم لا يسمح لعواطفه أن تحكمه، بل يملك فكر ناقد ويبحث عن الدليل في كل ما يجري حوله.

إن ما يتم تأليفه سنويا من أدب خيال علمي في الغرب ربما يفوق ما يؤلفه العرب في كل أنماط الأدب (وربما أكون مبالغة، ولكن لا أعتقد ذلك). وعندما تفتش في حياة بعض علماء العصر الحديث ستجد أنهم كانوا يقرأون الخيال العلمي وهو ما دفعهم للتخصص العلمي. ومع ذلك، عندما ننظر للخيال العلمي في العالم العربي لا نجد سوى تجارب بسيطة لا تتعدى القصص القصيرة، أو الروايات التي تعتبر أقصوصة. بل إن دور النشر لا تعتبره أدبا يستحق النشر.

ما دفعني للكتابة هذه الليلة، مشاهدتي لآخر إصدار من سلسلة أفلام ستار تريك. متابعو هذه السلسلة سيعلمون جيدا أن الأسطول الفضائي لاتحاد الكواكب يشدّد على ما يسمونه "التوجيه الرئيسي" (أو ربما يجب أن نسميه القانون الرئيسي؟): وهو باختصار عدم الاتصال أو عدم التدخل في حضارة لم تتوصل بعد إلى تقنيات القدرة على السفر بسرعة الضوء. فيمنع منعا باتا على كل سفن الاسطول أن تتواصل مع أية حضارة غير متطورة، أو أن تتدخل في تصحيح مسارها، بل وحتى الظهور أمامها بأي شكل من الأشكال. بالطبع هذا القانون ينطبق على كوكب الأرض اليوم، فنحن لم نتمكن بعد من السفرعبر الفضاء بسرعة الضوء. ولكن، ما علينا، فهو خيال علمي يتحدث عن المستقبل، عندما تمكن البشر من تحقيق ذلك التطور وبالتالي تواصلت معهم الحضارات المتطورة الأخرى للانضمام لاتحاد الكواكب.

وما الغرض من القانون الرئيسي؟ لأن لكل حضارة الحق في التطور بالطريقة وبالسرعة التي تحتاجها، فلكل حضارة خصوصيتها، ولمجرد أن هناك حضارة متطورة تريد أن تسرّع من تطور حضارة أخرى لا يعني أن هذا في مصلحة الحضارة الأقل تطورا، وربما عملية التسريع قد تضرّ الحضارة وتتسبب في اندثارها. منطق سليم ويحترم خصوصية كل حضارة.

أيضا في الخيال العلمي، قام المؤلف الأمريكي آيزيك آزيموف بتأليف العديد من الروايات حيث يستخدم البشر الرجال الآليين (الروبوت) في خدمة البشر. ولضمان تعايش مفيد بين البشر والآلات في قصصه، اخترع آزيموف 3 قوانين تحكم تلك العلاقة:

1.       على الروبوت لا يتسبب في ضرر ضد بشر، أو أن يسمح بحدوث الضرر من خلال عدم تدخله لمنع الضرر.
2.       على الروبوت أن يطيع الأوامر التي يوجهها له البشر، ماعدا حيث يتعارض ذلك مع القانون الأول.
3.       على الروبوت أن يحمي نفسه، طالما لا يتعارض ذلك مع القانون الأول والثاني.
قوانين بسيطة، ولكن لدي قناعة بأن العلماء الذين يقومون حاليا على تصميم آلات تخدم البشرية في القطاعات المختلفة سيطبقون تلك القوانين ويبرمجون الآلات للانصياع لها. وسيرجع الفضل في ذلك لرواية خيال علمي. وربما القانون الرئيسي أيضا سيكون الميزان الأخلاقي لاستكشافنا الفضاء واستيطان كواكب أخرى دون المساس بأمن وسلامة حضارات أخرى، ونكون بذلك قد تجنبنا الوقوع في الخطأ الذي وقعت فيه الامبراطوريات في الماضي.


أو ربما أكون ساذجة.

1 comment:

Unknown said...

اجملتي وابدعتي...
ماشاءالله..
امثالك فخر للعقل العربي المُفكّر

Followers